اتخذ بعض الناس الذين يفتقرون إلى منهجية البحث العلمي من مصحف فاطمة أداة للنيل من الإمامية, واتهامهم بأنهم لا يؤمنون بالقرآن الكريم , و إنما يؤمنون بمصحف آخر, هو مصحف فاطمة.
لذا أحببت تسليط الضوء على هذا الجانب.
ما هي حقيقة مصحف فاطمة؟
يخلط كثيرون بين مفردتي ( مصحف ) و ( قرآن ), فبين الكلمتين فرق.
ماالذي تقوله المعاجم اللغوية المعتمدة حول كلمة مصحف؟
في اللسان :
صحف : الصحيفة : التـي يكتب فـيها، والـجمع صَحائف و صُحُف و صُحْف . وفـي التنزيل: {إِنَّ هذا لفـي الصُّحُف { الأُولـى صُحُف { إِبراهيم وموسى}: يعنـي الكتب الـمنزلةعلـيهما صلوات الله علـى نبـينا وعلـيهما.
المُصْحف و المِصْحف : الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين.(1)
وفي معجم العين :
الصحف : جمع صحيفة.
وسمي المصْحف مصحفا لأنه أُصحف, أي جُعل جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين.(2)
وفي معجم القاموس المحيط :
المصُحَف, من أَصحف بالضم : أي جُعلت فيه الصحف.
الصحيفة : الكتاب, ج صحائف, وصحف.
المُصحَف, من أَُصحف بالضم : أي جُعلت فيه الصحف.(3)
و في كتاب الفروق اللغوية : في الفرق بين الكتاب والمصحف : " الكتاب يكون ورقة واحدة ويكون جملة اوراق ، والمصحف لا يكون جماعة أوراق صحفت أي جمع بعضها إلى بعض. " (4)
وفي تاريخ البداية والنهاية : " عن سهل مولى عتيبة ، أنه كان نصرانياً من أهل مريس وأنه كان في حجر عمه وأنه قال : قرأت يوماً في مصحف لعمي ، فإذا فيه ورقة بغير الخط وإذا فيها نعت محمد (ص) … قال : فلما جاء عمي ورآني قد قرأتها ضربني وقال : ما لك وفتح هذه ، فقلت : إن فيها نعت أحمد ، فقال : إنه لم يأت بعد " (5)
" قال وهب : كان في مصحف إبراهيم عليه السلام أيها الملك المبتلى إني لم أبعثك لتجمع الدنيا …" (6)
" لما توفي النبي (ص) أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا الجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف. " (7)
يتجلى من هذه الأمثلة المتعددة التي أوردتها من أمهات الكتب مجيء كلمة مصحف بمعنى كتاب من قبل المسلمين الأوائل في صدر الإسلام, وأن كلمة مصحف لاتختص بالقرآن الكريم , فالقرآن مصحف, وغير القرآن مصحف كذلك, استنادا إلى المدلول اللغوي للكلمة.
ولذا فإن كلمة مُصحف, تعني كل كتاب أصحف وجمع بين الدّفتين, واستخدامها ليست وقفا على القرآن الكريم.
لقد ورد عن طريق أهل بيت العصمة روايات تفرق بشكل واضح بين القرآن وبين مصحف فاطمة :
في حديث عن أبي عبدالله عليه السلام : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد حتّى إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش » (
.
عن الإمام أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها . قال : قلت : هذا والله العلم (9) .
عن عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام : "... ومصحف فاطمة أما والله ما أزعم أنه قرآن " (10) .
عن محمد بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام : ( ... وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام أما والله ما هو بالقرآن ) (11)
عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (( ... وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن )) (12)
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : (( وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد )) (13) .
نجد أن الإمام عليه السلام يؤكد في مرارا أن مصحف فاطمة ليس قرآنا, حيث تعددت الروايات واتحد المضمون على شيء, ألا وهو أن مصحف فاطمة ليس قرآنا, لئلا يلتبس الفهم عند بعض الناس, فيتهم الشيعة بأن لهم قرآنا غير القرآن الموجود بين المسلمين.
كما أن علماء الطائفة الأبرار قد أدركوا ذلك, وبينوا أن مصحف فاطمة ليس قرآنا.
ذكر العلامة السيد محسن العاملي (قدس سره ) : « لا يخفى أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة ، فنفى هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ، ولعل أحد محتوياته ، ثم إن بعضها دال على أنه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام » (14)
(1) لسان العرب - المجلد السابع- الطبعة الثالثة الصادرة عن دار إحياء التراث العربي.
(2) كتاب العين للخليل الفراهيدي
(3)القاموس المحيط - المجلد الثاني - ص 1101
(4) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري .
(5) تاريخ البداية والنهاية ج 6
(6) البداية والنهاية ج 9
(7) كنز العمال ج 13
(
بصائر الدرجات : 156 .
(9) بصائر الدرجات : 151 ـ 161
(10) بصائر الدرجات/ 154 ط . المرعشي ، والمجلسي : بحار الأنوار 26/45 .
(11) بصائر الرجات /150 ط . المرعشي ، والمجلسي : بحار الأنوار 26/37 .
(12) بصائر الدرجات / 156 ط . المرعشي ، والمجلسي : بحار الأنوار 26/43 ، 47 /272 .
(13) الكليني : الكافي 1/239 ، الصفار : بصائر الدرجات /152 ط . المرعشي ، والمجلسي : بحار الأنوار 26 / 39 .
(14) أعيان الشيعة : 1 | 97